Guiding You to Market Success
تقرير البنك الدولي عن السودان مايو 2025: تداعيات النزاع ومسارات التعافي الاقتصادي والاجتماعي
التقارير الاقتصادية
Sudavest
6/10/20251 دقيقة قراءة


يمثل تقرير البنك الدولي الصادر في مايو 2025 تحت عنوان "تحديث الاقتصاد السوداني: العواقب الاقتصادية والاجتماعية للنزاع - رسم مسار للتعافي" تقييمًا شاملًا للوضع الاقتصادي والاجتماعي في السودان بعد مرور عامين على اندلاع النزاع المسلح في أبريل 2023. ويعرض التقرير بأبعاد متعددة، كيف أدى النزاع إلى انهيار اقتصادي واجتماعي واسع، ويقترح خارطة طريق واضحة من السياسات والإصلاحات المطلوبة لتحقيق تعافٍ مستدام.
الواقع الإنساني والاقتصادي الكارثي للنزاع
بدأ التقرير بتوثيق الآثار الإنسانية المروعة للنزاع، حيث أشار إلى مقتل أكثر من 61,000 شخص في ولاية الخرطوم وحدها بين أبريل 2023 ويونيو 2024. كما تسبب النزاع في تهجير قسري هو الأكبر عالميًا، حيث نزح 12.9 مليون شخص، من بينهم 8.9 مليون نازح داخليًا و3.8 مليون لاجئ في الدول المجاورة مثل مصر وتشاد وجنوب السودان. ويعاني السودان من واحدة من أعلى نسب سوء التغذية الحاد عالميًا، إذ بلغت 13.6% من السكان.
يؤكد التقرير أن الاقتصاد السوداني تعرض لانكماش حاد للغاية، إذ تقلص الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 29.4% في عام 2023، تلاه انكماش إضافي بنسبة 13.5% في 2024. ويقدر التقرير أن الاقتصاد لن يعود إلى مستوياته السابقة للنزاع قبل عام 2031، حتى في أفضل سيناريوهات التعافي.
أزمة مالية ونقدية متفاقمة
سجل التضخم ارتفاعًا هائلًا ليصل إلى 170% في 2024 مقارنة بـ66% في 2023، ما عكس الارتفاع الكبير في أسعار الغذاء والإيجارات والنقل. وقد ساهمت طباعة النقود لتغطية العجز المالي في تأجيج الأزمة، إضافة إلى تراجع الإنتاج المحلي وانهيار سلاسل التوريد. أما البطالة، فقد ارتفعت إلى 47% في 2024 مقارنة بـ32% في 2022.
أدى النزاع إلى انهيار منظومة الإيرادات الحكومية، حيث انخفضت الإيرادات من 10% من الناتج المحلي الإجمالي في 2022 إلى أقل من 5% في 2024. وبهذا أصبح العجز المالي غير قابل للتمويل من خلال الدين، إذ أن السودان فقد القدرة على إصدار ديون جديدة نتيجة لتعليق مبادرة تخفيف أعباء الديون (HIPC) بعد انقلاب 2021.
تدهور القطاع الخارجي وتراجع التجارة
انخفضت الصادرات السودانية إلى 9.4% من الناتج المحلي الإجمالي في 2023، في حين ارتفعت الواردات إلى 20.6%، ما أدى إلى عجز تجاري بنسبة 11.2%. ساعدت تحويلات العاملين في الخارج نسبيًا في تقليص العجز في الحساب الجاري إلى 6.2%، إلا أنه تفاقم لاحقًا إلى 12% في 2024 مع تراجع التدفقات الرسمية.
أما سعر الصرف، فقد شهد انهيارًا مدويًا، حيث انخفض الجنيه السوداني بنسبة 233% في السوق الرسمية، و355% في السوق الموازية، ما زاد من فجوة الأسعار وعمق أزمة الثقة في النظام المالي. حاول البنك المركزي تدارك الأزمة من خلال إطلاق عملية استبدال العملة في ديسمبر 2024، إلا أن ذلك صاحبه نقص في السيولة وتراجع الثقة في النظام المصرفي.
الزراعة: مفتاح النجاة والانتعاش
سلط التقرير الضوء على أهمية القطاع الزراعي كمنقذ محتمل للاقتصاد السوداني. فمع تضرر قطاعي الصناعة والخدمات بشدة، بقيت الزراعة، رغم الصعوبات، القطاع الأقل تضررًا نسبيًا. يشير التقرير إلى أن الزراعة تشكل 35% من الناتج المحلي وتوظف أكثر من 40% من القوة العاملة، ومع ذلك، انخفض إنتاج الحبوب بنسبة 46% في 2023 مقارنة بـ2022.
تواجه الزراعة تحديات كبيرة، مثل تردي البنية التحتية، ضعف التمويل، النزاعات في مناطق الإنتاج الرئيسية مثل دارفور والجزيرة، وتأثيرات تغير المناخ من جفاف وفيضانات. ورغم أن السودان يمتلك إمكانات زراعية ضخمة، إلا أن 23% فقط من الأراضي الصالحة للزراعة مستغلة، ما يبرز فرصًا هائلة للنمو.
الفقر وانهيار الخدمات الأساسية
ارتفعت نسبة الفقر المدقع (من يقل دخله عن 2.15 دولارًا في اليوم) من 33% في 2022 إلى 71% في 2024. وقد تضررت مناطق دارفور وكردفان والبحر الأحمر بشكل خاص. أدى النزاع إلى إغلاق أكثر من 70% من المنشآت الصحية في المناطق المتأثرة، مع انتشار أمراض مثل الكوليرا والملاريا وحمى الضنك.
كما يعاني نظام التعليم من شبه شلل تام، ما يهدد بضياع جيل كامل من الأطفال، إذ توقف ملايين الطلاب عن الدراسة بسبب النزوح وانعدام الأمن.
إصلاحات مطلوبة للتعافي
يقترح البنك الدولي مجموعة من السياسات الحيوية، من بينها:
استئناف تنفيذ مبادرة HIPC للحصول على تخفيف للديون.
توحيد سعر الصرف لتحفيز التجارة والاستثمار.
خفض الدعم العشوائي وتوجيهه للشرائح المستحقة.
إصلاح نظام إدارة المالية العامة.
تحسين بيئة الأعمال وتقليص دور الاقتصاد العسكري.
تطوير البنية التحتية خاصة الطرق وشبكات الكهرباء.
الاستثمار في الزراعة وتقديم دعم تقني ومالي للمزارعين.
إزالة الألغام وتسهيل عودة النازحين.
تعزيز الحكم المحلي وبناء مؤسسات شاملة وشفافة.
توسيع نطاق المساعدات الإنسانية وتقديم دعم مباشر للفقراء.
الفرص رغم التحديات
رغم القتامة التي يرسمها التقرير، إلا أنه يعبر عن أمل حذر في قدرة السودان على التعافي إذا ما تحقق السلام واستؤنفت الإصلاحات. يشير إلى أن الزراعة يمكن أن تكون ركيزة الانطلاق، وأن للمجتمع الدولي دورًا محوريًا في توفير التمويل، الدعم الفني، وضمان بيئة سياسية مستقرة تساعد السودان على تجاوز أزمته.
بصورة عامة، يقدم تقرير البنك الدولي خريطة طريق واضحة للتعافي، لكنه يربط النجاح بتحقيق السلام، وإرادة سياسية حقيقية لتنفيذ إصلاحات جذرية. ويبقى الأمل معقودًا على قدرة السودانيين ومؤسساتهم على ترجمة هذا التقرير إلى واقع ينهض بالوطن من تحت رماد الحرب.