Guiding You to Market Success
هل بدأت واشنطن فعلاً فك ارتباطها بالصين؟
Blog post description.
الاخبار الاقتصادية العالمية
4/13/20251 دقيقة قراءة


في خضم الحرب التجارية المتصاعدة بين الولايات المتحدة والصين، أقدمت إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب على خطوة غير متوقعة بإعفاء بعض الأجهزة الإلكترونية الحيوية، مثل الهواتف الذكية وأشباه الموصلات وأجهزة الكمبيوتر، من الرسوم الجمركية. هذه الخطوة تطرح تساؤلات حول مغزاها الحقيقي، وما إذا كانت تمثل تحوّلًا استراتيجياً نحو التهدئة، أم أنها مجرد تكتيك تفاوضي يستهدف الضغط على الصين لتحقيق تنازلات في مجالات أخرى.
القرار الأمريكي يعكس وعياً دقيقاً بطبيعة القطاعات المشمولة بالإعفاء. فعلى عكس بعض المنتجات التي يمكن تصنيع بدائلها محلياً بسهولة نسبية، فإن الأجهزة التكنولوجية، خصوصاً أشباه الموصلات، تتطلب وقتاً طويلاً واستثمارات ضخمة لتوطين صناعتها. يُضاف إلى ذلك أن هذه المكونات تُعد من ركائز الأمن القومي الأمريكي، نظراً لاستخدامها في الصناعات الحساسة، بما في ذلك العسكرية والتكنولوجية المتقدمة. كما أن تأثير هذه القطاعات يمتد إلى الاقتصاد الكلي، إذ تعتمد عليها شركات عملاقة مدرجة في البورصات مثل "آبل" و"إنفيديا"، ما يجعل فرض رسوم على مستورداتها مؤثراً بشكل مباشر على وول ستريت والاقتصاد الأمريكي.
رغم التصعيد السابق في التوترات التجارية، حملت التصريحات الأخيرة من الجانبين نبرة أكثر تفاؤلاً. الصين أعلنت نيتها التوقف عن التصعيد، والولايات المتحدة بدورها أعربت عن استعدادها للتفاوض، ما يشير إلى احتمال تهدئة مؤقتة في النزاع. لكن هذا التفاؤل لا يخلو من الحذر، إذ يرجّح أن يكون مدفوعاً باعتبارات داخلية، خصوصاً مع اقتراب الانتخابات الرئاسية الأمريكية، حيث يسعى ترامب إلى تقديم نفسه على أنه رجل الصفقات القوية القادر على حماية المصالح الاقتصادية للبلاد دون الذهاب إلى مواجهة مفتوحة.
في هذا السياق، بدأت تظهر بشكل متزايد في الخطاب الأمريكي عبارة "فك الارتباط" أو "ديكابلينغ"، وهي تعني العمل على تقليل الاعتماد على الاقتصاد الصيني، لا سيما في المجالات التكنولوجية. تقرير صادر عن بلومبرغ عام 2024 حدد 13 قطاعاً تتفوق فيها الصين على الولايات المتحدة، أبرزها القطارات السريعة، بطاريات الليثيوم، الألواح الشمسية، الطائرات المسيّرة، واستخراج الجرافين. هذه المجالات ليست فقط اقتصادية، بل استراتيجية، وتمثل مستقبل الصناعات العالمية. الرد الأمريكي على هذا التحدي تمثل في محاولات متسارعة لإعادة توطين بعض الصناعات، وزيادة الاستثمارات في التكنولوجيا المحلية، وتعزيز استقلالية سلاسل التوريد، لكن التجربة أظهرت صعوبة تنفيذ ذلك في وقت قصير.
النزاع بين القوتين لا يُفهم فقط من منظور تجاري، بل من خلال تباين في النماذج الاقتصادية. فبينما تتهم الولايات المتحدة الصين بعدم الانفتاح الحقيقي رغم عضويتها في منظمة التجارة العالمية، وبتقييدها لعمل الشركات الأجنبية من خلال فرض شراكات محلية ونقل إجباري للتكنولوجيا، تصر الصين على أن هذه الإجراءات تأتي في إطار سعيها لتحقيق الاكتفاء الذاتي وضمان أمنها الاقتصادي. وترى في نموذجها القائم على تقاليد حضارية واقتصادية تمتد لآلاف السنين، نموذجاً قادراً على الصمود في وجه العواصف الاقتصادية والسياسية.
أحد أبرز الأمثلة التي تكشف عن صعوبة فك الارتباط مع سلاسل الإنتاج العالمية هو مشروع شركة "LVMH" الفرنسية، التي أنشأت مصنعاً للمنتجات الفاخرة في تكساس، بدعم مباشر من ترامب عام 2019. الهدف كان توظيف 1000 عامل أمريكي لإنتاج سلع جلدية راقية. لكن النتيجة كانت عكس التوقعات، إذ لم يُوظف سوى 300 عامل، والمصنع لم ينجح سوى في إنتاج جزء بسيط من المكونات، مثل الجيوب الداخلية للحقائب. السبب يعود إلى نقص الكفاءات المحلية في الصناعات اليدوية الدقيقة، وصعوبة تدريب العمال الأمريكيين على تقنيات الإنتاج الفاخر، ما أدى إلى نسبة هدر مرتفعة في المواد الخام، وضعف القدرة التنافسية. هذه التجربة أوضحت أن نقل الصناعات عالية الجودة إلى الداخل الأمريكي ليس بالأمر السهل، وأن تعويض الصين أو حتى فرنسا في بعض المجالات يحتاج إلى سنوات طويلة واستثمارات في المهارات قبل المعدات.
في خلفية هذا المشهد يظهر سكوت بسنت، وزير الخزانة الأمريكي، الذي يلعب دوراً محورياً في تهدئة التوترات. بسنت، المعروف بخبرته الطويلة في الأسواق المالية، وبمشاركته في "الأربعاء الأسود" بلندن عام 1992 ضمن فريق جورج سوروس، أدرك مبكراً أن التأثير النفسي على الأسواق لا يقل أهمية عن السياسات الاقتصادية. ويقال إنه هو من أقنع ترامب بوضع وقف مؤقت للتصعيد لمدة 90 يوماً، لإعطاء انطباع بالمرونة دون التراجع عن المواقف الأساسية. بسنت يدافع عن سياسة تقوم على ثلاثة ركائز: عجز لا يتجاوز 3% من الناتج المحلي، نمو لا يقل عن 3%، وثلاثة ملايين برميل إضافية من النفط الأمريكي يومياً، وهي رؤية تهدف إلى تعزيز القوة الاقتصادية دون الانخراط في مواجهات مباشرة طويلة الأمد.
في النهاية، ورغم التهديدات المتبادلة، يبقى من الواضح أن العلاقة بين واشنطن وبكين معقدة للغاية، وأقرب ما تكون إلى "زواج اقتصادي غير معلن". الولايات المتحدة تعتمد على الصين كمصدر رئيسي للسلع الرخيصة، والصين تعتمد على الأسواق الأمريكية كمنفذ رئيسي لصادراتها. فك هذا الارتباط، كما يتمنى البعض في دوائر القرار الأمريكي، ليس بالأمر السهل، بل هو عملية طويلة ومكلفة، وقد لا تنجح بالكامل. لذلك فإن السؤال المطروح اليوم ليس ما إذا كان الطرفان سيتفقان، بل متى وتحت أي شروط سيكون الاتفاق، وهل هو هدنة حقيقية أم مجرد فصل آخر في حرب طويلة لن تنتهي قريباً.